إعداد/ إيهاب خليفة
إن من شأن التطورات التكنولوجية القادمة أن تعيد صياغة التفاعلات الإنسانية، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وأن تؤثر بصورة مباشرة على شكل الدولة ووظائف الحكومة واحتياجات السكان، وتخلق أنماطاً جديداً من القيم والعادات وأيضاً من التهديدات والجرائم، ومع بداية دخول البشرية مرحلة جديدة من التطور البشري يقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والطابعات ثلاثية الأبعاد وغيرها من التقنيات الذكية التي تمثل محركات الثورة الصناعية الرابعة، فإن الاستعداد لهذه المرحلة بات ضرورة ملحة على كافة الدول.
وتعتبر المجتمعات النامية بصفة عامة، والعربية بصفة خاصة، من أكثر المجتمعات التي يمكن أن تتأثر بالثورة التكنولوجية القادمة، كونها سوقاً جاذبة وبشدة للمنتجات الاستهلاكية التكنولوجية ومع ذلك لا يوجد فيها قاعدة صناعية تساعد في مساير التطور التكنولوجي فضلاً عن معاناة كثير من هذه الدول من مشكلات تقليدية كالفساد والبطالة والتلوث وإهدار الموارد والتي يمكن أن تساهم التقنيات الذكية في التغلب عليها.
كما أن المنطقة العربية تتسم بخصوصية تجعلها مختلفة عن غيرها من الدول، فهي منطقة إلى حد كبير متجانسة من حيث الثقافة والقيم والتوجهات، إلا أنها تختلف من حيث التطور التكنولوجي، فهناك دولاً ومجتمعات قطعت شوطاً كبيراً في التحديث التكنولوجي، مثل دول الخليج، وبخاصة دولة الإمارات، حيث تبنت نماذج للحكومة الذكية بل والمدن الذكية أيضاً مثل دبي، وهناك دولاً مازالت تحاول مسايرة عملية التحديث مثل تونس ومصر والمغرب، ودولاً تحاول اللحاق بتجارب الحكومة الإلكترونية مثل الجزائر وليبيا، ودولاً بعيدة إلى حد كبير عن السباق مثل السودان وموريتانيا وجزر القمر والصومال.
عملية التحديث غير المتوازنة ستجعل الدول التي تسعى لتحقيق التقدم التكنولوجي جاذبة في كل شيء، سواء جاذبة للسياحة أو الاستثمارات الأجنبية أو الأيدي العاملة الماهرة أو غيرها، على حساب الدول الأقل تقدماً في المجال التكنولوجي، فتزداد الدول الغنية غنى، وتزداد الدول الفقيرة فقراً، وتبدأ الدول الغنية في المنطقة تعاني من مشكلات الدول الفقيرة جارتها، وذلك إن لم تبدأ بتطوير وتحديث هيكلها وبنيتها الأساسية.
وبالتالي فإن غياب رؤية عربية موحدة واستراتيجية للتنمية الرقمية تعمل المنطقة العربية في إطارها يهدد استقرار المنطقة أكثر مما هي مهددة أصلاً، ويخل بتوازن المنطقة أكثر من ذلك، ومن ثم فإن هذه الورقة تسعى إلى لفت الانتباه إلى التحولات التي يمكن أن تطرحها الثورة الصناعية الرابعة، وتحاول بلورة صيغة أولية يمكن على أساسها بناء استراتيجية عربية موحدة للتنمية الرقمية الشاملة.
البشرية على اعتاب مرحلة جديدة من التحول التكنولوجي:
ليس من قبيل المبالغة القول أن التطورات التكنولوجية قد ساهمت بشكل كبير في تغير أنماط الحياة البشرية عبر التاريخ، سواء سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً أو حتى مجتمعياً، فغيرت من طرق التواصل بين الأفراد، وطورت أجيال مختلفة من الحروب، وشكلت قوة دافعة للاقتصاد، وأظهرت أنماط مختلفة من السلوكيات، وأنواع جديدة من الثقافات.
فمن ناحية غيرت التكنولوجية طرق التواصل بين الأفراد، ويتضح ذلك في تأثير الاختراعات التكنولوجية على طرق التواصل بينهم بداية من اختراع آلة الطباعة الخشبية على يد الصينين، ثم اختراع التلغراف على يد صمويل مورس، مروراً باختراع الهاتف على يد جراهام بل، ثم اختراع شبكة الويب على يد تيم بيرنرزلي، ثم ظهور الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية التي سهلت عملية التواصل بصورة كبيرة بين الأفراد.
كما غيرت التكنولوجيا من شكل الحروب والصراعات البشرية على مدار العصور، فمن الحروب التقليدية التي استخدمت السيوف والرماح ثم البنادق والرشاشات، ثم القنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات، إلى نوع جديد من الحروب هو الحروب السيرية Cyber Warfare التي تستخدم نوع أخرى من الأسلحة متمثل في فيروسات برمجية لديها قدرة على إلحاق دماراً يوازي دمار الأسلحة التقليدية بل قد يفوقه في بعض الأحيان.
وأثرت أيضاً على الهويات والثقافات، وذلك بفعل تأثير العولمة التي أفرزتها هذه التطورات التكنولوجية، والتي جعلت العالم كله يبدو صغيراً، فسهولة الاتصالات بل ورخص تكلفتها سهلت عملية التواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة، وأصبحت الثقافة الغربية المنتجة للتكنولوجية هي الثقافة المهيمنة، حيث ساهمت التطورات التكنولوجية في تقديم الثقافة الغربية كثقافة عالمية للجميع، الأمر الذي يجعل الخصوصية الثقافية لبعض المجتمعات موضع التهديد والنسيان.
ورغم هذا التطور الكبير، فإن العالم على أعتاب ثورة نوعية جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، وإنترنت الأشياء Internet of Things، وسلاسل الكتلة Block chains، والطابعات ثلاثية الأبعاد 3D Printers، والعملات الافتراضية Virtual Currencies والبيانات العملاقة Big data والشرائح الذكية المدمجة في جسم البشر Microchip implant وغيرها من التقنيات الذكية. ومن شأن هذه الثورة أن تغير ليس فقط من هياكل الإنتاج وخصائص المجتمعات وموازين القوة، بل تغير أيضاً من المنظور المعرفي للبشر تجاه الأشياء بصورة عامة؛ فالبشرية أصبحت على وشك التحول نحو جيل جديد من المجتمعات، حيث ينذر هذا التحول بظهور مجتمع فائق الذكاء تكون فيه اليد العليا للآلة على الإنسان، وتتحقق فيه نبوءات أفلام الخيال العلمي بتآكل المجتمع من داخله عبر إزالة الخطوط الفاصلة بين ما هو إنساني وما هو مادي، ويتعدى ما تم تسميته بمجتمع المعلومات ليظهر “مجتمع ما بعد المعلومات”.
هذا المجتمع الخامس Fifth Society، الذي يمكن أن نطلق عليه في هذه الورقة “مجتمع ما بعد المعلومات”، يأتي بعد أربعة أجيال رئيسية مرت بها الإنسانية، وهي: مجتمعات الصيد والزراعة والصناعة والمعلومات، وأخيراً المجتمع الخامس Fifth Society أو “مجتمع ما بعد المعلومات”، ذلك المجتمع الذي تندمج فيه المعلومة والآلة مع عقل الإنسان، فتتحول المعلومة إلى وظيفة في حد ذاتها، يتم إنجازها بمجرد التفكير في القيام بها عن طريق التخاطر الذهني Telepathy، أو حتى دون التفكير فيها عبر نظم الذكاء الاصطناعي.
فبدلاً من أن يستخدم الفرد خرائط جوجل مثلاً للذهاب إلى مقصده كما هو الحال في مجتمع المعلومات، ستقوم السيارة ذاتية القيادة أو الطائرات المسيرة بدون طيار بذلك في مجتمع ما بعد المعلومات، وبدلاً من إعطاء أوامر للربوتات للقيام ببعض الوظائف والمهام، فإنها سوف تقوم بصورة منفردة بتحليل المعلومات من المجسّات وأجهزة الاستشعارات الموجودة في كل مكان وتتخذ القرار بصورة ذاتية، وستقدم تقنيات إنترنت الأشياء خدمات للبشر تسبق احتياجاتهم وتوقعاتهم، وتصبح نظم الإدارة لامركزية بصورة كبيرة بفضل تقنيات البلوك تشين، وبذلك تتحول المعلومة إلى وظيفة، وتنتقل البشرية من مرحلة المعلومات إلى مرحلة ما بعد المعلومات.
وبالتالي فإن فهم السياق الذي يسير فيه التطور البشري ضروري وهام لفهم التداعيات الناجمة عن ذلك على الحياة الإنسانية، فمثلاً حينما كان المجتمع زراعياً انقسم إلى طبقتين، طبقة الإقطاعيين الذين يمتلكون الأراضي وطبقة الفلاحين الذين يعملون ولا يمتلكون، وكان النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي قائماً على هذه الثنائية، وحينما أصبح المجتمع صناعياً انقسم إلى طبقة العمال وطبقة أصحاب رأس المال، وأيضاً كان النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي قائماً على هذه الثنائية، بل أن النظام العالمي أيضاً انقسم على أساسها إلى معسكرين ايديولوجيين مختلفين، شرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي وغربي قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ظهور مجتمع المعلومات تحول العالم إلى قرية كونية واحدة بدأت ثقافة عالمية مشتركة في الظهور هي ثقافة العولمة، والتي اختفت فيها الفوارق بين ما هو محلي وما هو عالمي.
ومع أن هذا التحول ليس هو الأول الذي تُحدثه التطورات التكنولوجية عبر التاريخ، إلا أن التحول القادم سوف يكون الأقوى والأعنف، وذلك بظهور مجتمع ما بعد المعلومات، أو مجتمع الذكاء الفائق، أو مجتمع الذكاء الاصطناعي، والفارق في ذلك أن التغيير في المجتمعات السابقة كان في خصائص المجتمع الذي يعيش بداخله البشر، أما التغيير القادم سوف يطول البشر أنفسهم، فضلاً عن خصائص المجتمع الذي يعيشون فيه، فيتحولون إلى آلات من أشباه بشر.
وإذا كان يبدو من الوهلة الأولى أن التحديث والتطوير التكنولوجي كله خير، لما في ذلك من تحقيق لمصلحة المواطن في الحصول على الخدمات بأسرع وأسهل طريقة، وفي نفس الوقت تحفظ حق الدولة من الضياع في ظل البيروقراطية القاتلة، ولكن هذا غير صحيح، فالتطور التكنولوجي سلاح ذو حدين، فكما له مميزات، له أيضاً عيوب، خاصة إذا كانت الدول مستهلكة ومستوردة للتكنولوجية وليست مصنعة لها، ولكن تبقى القاعدة أن التطورات التكنولوجية سوف تفرض نفسها عاجلاً أم أجلاً، وإن لم تستعد المجتمعات العربية لها سوف تأتي بتهديداتها قبل مميزاتها.
اتجاه عالمي لتبني استراتيجيات جديدة تواكب التطور التكنولوجي:
هناك عدد من القوى المحركة التي تساهم بقوة في إعادة تشكيل مستقبل الدول، وتمثل أهم عناصر الثورة الصناعية الرابعة، تتمثل في تقنيات الذكاء الاصطناعي والطابعات ثلاثية الأبعاد وسلسلة الكتلة وإنترنت الأشياء والعملات المشفرة والبيانات العملاقة، بالإضافة إلى عدد آخر من التقنيات مثل خدمات الحوسبة السحابية وتطبيقات الهواتف الذكية ونظم إدارة احتياجات العملاء والشرائح الالكترونية الذكية التي يتم ذرعها في الأجساد البشرية، فضلاً عن عدد كبير آخر من التطورات التقنية ذات التأثير الملموس أيضاً ولكنه ليس بحجم هذه التقنيات.
اتجاه عالمي لإعادة النظر في خريطة التصنيع:
اتجهت العديد من الدول المتقدم إلى إعادة النظر في استراتيجياتها التصنيعية وقد كانت البداية أمريكية، حيث أصدر الرئيسي الأمريكي باراك أوباما عام 2011 مبادرة “شراكة التصنيع المتقدم Advanced Manufacturing Partnership” ، لتأمين القيادة الأمريكية في التصنيع المتقدم وتعزيز قدرتها التنافسية العالمية خاصة في مجال التكنولوجيات الجديدة، وبعد ذلك، طرحت شعار “إعادة تصنيع الولايات المتحدة وإرجاع وظائف التصنيع”، وطرحت ألمانيا “استراتيجية التكنولوجيا العالية الجديدة 2020 The new High-Tech Strategy ” التي تركز على تحويل الأفكار المبتكرة في مجال التكنولوجيات الجديدة إلى تطبيقات واقعية، ووضعت بريطانيا “استراتيجية الصناعة والطاقة 2050 Energy and Industrial Strategy ” ، وطرحت اليابان “استراتيجية إنترنت الأشياء” فضلاً عن تقدمها على منافسيها في مجال الروبوتكس، كما وضعت فرنسا عام 2015 استراتيجية ” صناعة المستقبل Industry of the Future” التي تعد بمثابة خطة لإعادة التصنيع في فرنسا تشمل التركيز على التقنيات الذكية خاصة في مجال المدن الذكية والنقل والطب والبيانات العملاقة ، في حين تبنت كوريا الجنوبية عام 2016″ خطة النمو Growth Strategy “
ولم تكن الصين غائبة عن السباق الدولي نحو الابتكار والتصنيع المتقدم، ففي عام 2013، نظمت الأكاديمية الصينية للهندسة فريقا ضم أكثر من مائة أكاديمي وعالم، لبحث اتجاه تطوير القطاع الصناعي الصيني، واستعراض إجراءات واستراتيجيات الدول الصناعية المتقدمة، وقضايا القطاع الصناعي الصيني، وآثار التقدم التقني الرئيسية، وبعد سنتين من الجهود، قدم الفريق بحثا حول القطاع الصناعي الصيني، استندت إليه الحكومة الصينية في صياغة استراتيجية (صنع في الصين 2025) التي أعلنت في مايو عام 2015 ، حيث تهدف إلى دفع الارتقاء بالقطاع الصناعي الصيني وتحويله إلى قطاع متقدم، يساهم في تعزيز القدرة التنافسية الصناعية الصينية، لتنضم الصين إلى صفوف دول العالم المتقدم في القطاع الصناعي، من حيث تخفيض استهلاك الموارد ورفع إنتاجية العمل وتعزيز القدرة على الابتكار التكنولوجي وتحسين الهيكل الصناعي والإسراع في تكامل المعلومات والتصنيع، وزيادة عدد براءات الاختراق والاستثمار في البحث والتطوير والعنصر البشري ونسبة الربح من المبيعات، على نحو يمكن يساعد في رفع مستوى القطاع الصناعي الصيني على نحو شامل ويجعلها في مقدمة الدول المنتجة لتكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة.
دول رائدة في الشرق الأوسط:
أما على مستوى منطقة الشرق الأوسط فقد أدركت أن التحول نحو الثورة الصناعية الرابعة يأتي من خلال التعليم لتخريج جيل من المهندسين والمبرمجين والفنيين قادر مواكبة التطور التكنولوجي المتسارع، فتم تحويل كلية الحاسبات والمعلومات إلى كلية للذكاء الاصطناعي أيضا، ووافق المجلس الأعلى للجامعات خلال الفترة الماضية على إنشاء أول كلية للذكاء الاصطناعى فى الشرق الأوسط بجامعة كفر الشيخ، وتمت الموافقة أيضاً على تدشين 8 كليات جديدة لعلوم الحاسبات والمعلومات، كما تم التعاون مع الجانب اليابانى لإنشاء أكاديمية للذكاء الاصطناعى بالعاصمة الجديدة، وتطوير المناهج العلمية والمعامل وأساليب التدريس بها.
ومن ناحيتها قطعت دولة الإمارات العربية المتحدة شوطاً كبيراً في عملية التحول نحو مفهوم التنمية الرقمية الشاملة سواء من خلال إطلاق الاستراتيجية العربية للاقتصاد الرقمي، وإطلاق استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي عام 2017، والتي نصت على تعيين المجلس الاستشاري للذكاء الاصطناعي، وإصدار قانون حكومي بشأن الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي، وتطوير أول وثيقة عالمية لتحديد الضوابط الضامنة لاستخدامه الآمن والسليم. ثم إنشاء أو وزارة للذكاء الاصطناعي، وإطلاق “بروتوكول الذكاء الاصطناعي” بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس»، لسن تشريعات «تضمن تحقيق الخير لشعوب العالم التي تنعكس عليها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتدعمها في مواجهة التحديات والمتغيرات المتسارعة».
محفزات الاتجاه نحو استراتيجية عربية للتنمية الرقمية:
هناك عدد من المحفزات التي تدفع في ضرورة إعادة النظر في الاستراتيجيات العربية التقليدية وصياغة استراتيجية جديدة تواكب مجتمع ما بعد المعلومات ذلك المجتمع الذي يتسم بخصائص مميزة ومختلفة عما سبقه من مجتمعات إنسانية من بين هذه المحفزات:
1 – تغيير هيكل وشكل الوظائف، واختفاء بعض المهن:
من المتوقع أن يؤثر انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي على شكل الوظائف وتفاصيلها، فالمُقابلات الخاصة بالتوظيف من الممكن أن تتم قريباً مع أجهزة كمبيوتر قادرة على تحليل أدق التفاصيل وصولا إلى تعابير الوجه.
ليس هذا فحسب، بل إن التكنولوجيات الجديدة قد تخلق الوظائف، وهو ما أثبته التاريخ، حيث دائما وأبداً ما كانت تعزز الابتكارات التكنولوجية إنتاجية العمال وتخلق منتجات وأسواق جديدة، مما أتاح فرص عمل جديدة في الاقتصاد، وهو الأمر الذي لن يكون مختلفاً بالنسبة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل: الطباعة ثلاثية الأبعاد، والروبوتات، وهو ما أقرته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة UN DESAفي تقريرها الصادر عام 2017، والتي أكدت على أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستعمل بدورها على خلق فُرص عمل، خاصة إذا كان هذا مُصاحباً لوجود مجموعة من الضوابط المتمثلة في القواعد القانونية والتنظيمية والاجتماعية – السياسية التي تمنع بدورها العديد من الوظائف من الاختفاء، وخير دليل على ذلك أنه في عام 2016 تم القضاء على واحدة فقط من أصل 270 مهنة مُدرجة في تعداد الولايات المتحدة لعام 1950 بسبب الأتمتة، أو تحويلها إلى الاعتماد على التكنولوجيا.
ولعل توسع استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية في العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يُقابله تقليص في العمالة البشرية والاعتماد على الذكاء البشري، حيث أصبحت أجهزة الحاسب الآلي تتعدى بشكل متزايد على المجالات التي كانت تعتبر من قبل بشرية بشكل حصري.
وقد مكَّن التقدم المذهل في مجالات الذكاء الاصطناعي المختلفة مثل: الروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وعلم الوراثة، وأجهزة الكمبيوتر من أداء مهام: المهندسين المعماريين، والأطباء، والمؤلفين الموسيقيين، وحتى أساتذة الرسم.
2 – تغيير شكل الحكومات وإعادة ترتيب أولوياتها:
تفرض التحديات التكنولوجية القادمة على الحكومات أن تطور من أسلوبها، وتغير من أشكالها، فسرعة الإنترنت العملاقة، وحجم التخزين الغير مسبوق مع صغر حجم أدوات التخزين، سيجعل المعلومات أكثر انتشاراً، وأصعب من حيث السيطرة عليها، وستصبح حركة الأفراد في السفر والانتقال أسرع وأسهل في نفس الوقت، ولن تتمكن المجتمعات المغلقة من وقف الأفكار المتدفقة إليها بأدواتها التقليدية، وستتوافر الأدوات الذكية القابلة للارتداء والمتصلة بالإنترنت بصورة كبيرة بين الأفراد.
وهنا سوف يفرض العالم الافتراضي الكامل على الحكومات أن تكون أكثر ذكاءً في تقديم خدماتها للأفراد من خلال الحكومات الذكية، وأكثر قدرة على حماية حدودها وأمن مجتمعها من التهديدات التي تطرحها التطورات التكنولوجية، من خلال السبق في امتلاك وتطوير هذه الأدوات، حتى تكون قادرة على تنظيم استخدامها، وتلافي سلبياتها، وتقنين عملية تداولها، وأن تطور من أجهزتها الأمنية لكي تتعامل مع أنماط مختلفة من الجرائم، تكون فيها الأسلحة سهلة التصنيع من خلال أجهزة الكمبيوتر، وشديدة في التدمير من خلال وصولها لأكبر عدد من الأفراد.
3– وجود فرص أكبر لتأثير الدول “سريعة التطور” ولو كانت “ضعيفة”:
يُخبرنا الواقع بأن الثورة الصناعية الرابعة تسير بالفعل وفق متوالية هندسية تضاعفية وليس بمتتابعة حسابية خطية، فأعوام ثمانون تفصل بين اكتشاف “ألساندرو فولتا” لإمكانية توليد الكهرباء وبين استخدام اكتشافه، وأعوام ثمانية فقط تفصل بين إعلان شركة أبل عن الآي فون الأول لها في عام 2007 وبين انتشار أكثر من ملياري جهاز هاتف جوال ذكي حول العالم بحلول نهاية عام 2015.
وقد ارتبطت قدرة دولة ما على التأثير في العلاقات الدولية، وعلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بما تمتلكه من موارد وفقاً لحجمها الجغرافي، وعدد سكانها، حيث اعتبرت عناصر مثل مساحة الدولة وعدد سكانها من أدوات النفوذ في العلاقات الدولية، ولكن التطورات التكنولوجية الحالية قد تغير هذه النظرة التقليدية، فتعطي فرصة أكبر للدول صغيرة الحجم التي لديها قدرة على مواكبة التطور السريع في المجال التكنولوجي، على حساب الدول كبيرة الحجم التي تتأخر في مسايرة هذا التقدم.
وبالتالي، يمكن القول إن المستقبل يتشكل حالياً من خلال الابتكارات التكنولوجيا، التي يطغى عليها طابع السرعة، فالاستثمار في هذه التكنولوجيا قد يزيد من قدرة الدول الصغيرة على التأثير في العلاقات الدولية التي ظلت لسنوات عديدة حكراً على الدول الكبرى التي تعتمد بالأساس على مساحتها الجغرافية وعدد سكانها، بالإضافة إلى مواردها الطبيعية المحكومة بموقعها الجغرافي.
ولذلك، قد نجد في المستقبل القريب دولة صغيرة جداً مثل استونيا بدأت في الاستثمار في تكنولوجيا المستقبل، ولديها عداء تاريخي مع دولة كبرى مثل روسيا، تستطيع أن تلعب دوراً بارزاً في مواجهتها أكثر من زي قبل.
4 – تصاعد قدرة الفواعل من دون الدول على التأثير:
أتاحت التطورات التكنولوجية فرصة كبيرة للفواعل من دون الدول لزيادة قدرتها النسبية، حيث أصبح بإمكانها شراء المتفجرات عبر الإنترنت. ومع تواجد الطابعات ثلاثية الأبعاد أصبحت قادرة على طباعة الأسلحة، وتحميلها على الطائرات بدون طيار، وتوجيهها عبر تطبيقات الهاتف الذكي، بصورة تهدد أمن الأفراد والمجتمعات، وهو ما يخلق تحديات جمة أمام الدول لمراقبة حدوها الجغرافية أو تحقيق الأمن المجتمعي للأفراد، حيث تزداد قدرة الفواعل من دون الدول على المناورة بما تمتلكه من أدوات تكنولوجية قليلة الثمن كبيرة التأثير.
5 – تصاعد الصراع بين الدول وشركات تكنولوجيا المعلومات:
لما كانت التكنولوجيا هي التي تقود تطور الحياة البشرية حالياً، فإنه من المنطقي أن تكون أكبر أربع شركات عالمية من حيث القيمة السوقية في العالم خلال عام 2016 هي شركات تكنولوجيا المعلومات، وأولها شركة الفابيت المالكة لجوجل، يليها أبل ثم ميكروسوفت ثم فيسبوك، مقارنة بشركة واحدة تكنولوجية هي مايكرسوفت في عام 2006، حيث تمتلك هذه الشركات وغيرها المعلومات الكاملة عن جميع مستخدميها حول العالم، وقد يؤدي ذلك إلى صدام بين كثير من الدول وبعض هذه الشركات.
وبالفعل فقد بدأت مثل هذه الأزمات كما ظهر في الصدام بين شركة جوجل والحكومة الصينية في عام 2010، والصدام المتكرر بين شركة أبل والحكومة الأمريكية، والصدام بين شركات مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الدول مثل إيران وتركيا، وذلك بسبب امتلاكها المعلومة التي يعصب على بعض الدول الحصول عليها.
ومع استمرار هذه الشركات في تطوير تكنولوجيات المستقبل مثل التخاطر واللاي فاي وأدوات التخزين، فإن احتمالات الصدام مع الدول قد تزداد مستقبلا، خاصة مع الدول النامية التي تعجز عن الاستثمار في هذه التكنولوجيا، ومن هنا قد تبدأ مرحلة جديدة من مراحل مشاركة الشركات الكبرى للدول في سيادتها المعلوماتية على مواطنيها.
6 – أنماط جديدة من الصراع على المعلومات الشخصية للأفراد:
في بداية انتشار الإنترنت في التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفينات، ظهرت بعض القوانين التي تحمي بيانات الأفراد عبر الإنترنت، وقد كانت بيانات الأفراد في هذه الفترة بيانات محدودة تقتصر على الاسم والصورة ورقم التليفون، لكن مع التطورات التكنولوجية المستمرة وزيادة اعتماد الأفراد على التقنيات الذكية؛ زاد معدل بيانات الأفراد الشخصية التي يمكن الحصول عليها عبر الإنترنت، حيث تمتد لتشمل بيانات الأفراد الحيوية مثل بصمة العين والوجه واليد، فضلاً عن البيانات الصحية والمرضية للمستخدم، بالإضافة إلى موقعه الجغرافي الحالي وأماكن تنقلاته في مختلف أرجاء المعمورة، والعديد من المعلومات الشخصية الأخرى مثل نوعية الأطعمة والمشروبات والملابس والأفلام والكتب والموسيقي التي يفضلها المستخدم، ومواعيد عمله ونومه وغذائه، وتحديد شبكة أصدقائه وأفراد عائلته، بصورة تساعد في تكوين رسم تفصيلي عن حياة الفرد اليومية بفضل المعلومات الشخصية المتوافرة عن الفرد على الإنترنت.
وهنا فقد أضحت البيانات هي أساس العالم الرقمي الحالي، وجمعها ضروري للشركات بهدف تحسين الخدمات التي تقدمها لعملائها، سواء خدمات البحث عن المفضلات أو خدمة الإعلانات، فضلاً عن استخدامها في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات والسيارات ذاتية القيادة وغيرها، مما يجعل المعلومات أحد أسباب الصراع في مجتمع ما بعد المعلومات، فهي بمثابة الوقود المحرك لكافة التقنيات الذكية.
7 – فهم أدق لتوجهات المجتمعات وأولويات الأفراد وتفضيلاتهم:
من خلال تحليل البيانات العملاقة يمكن، وبدقة كبيرة، تحديد اهتمامات الأفراد وأولوياتهم وتفضيلاتهم من خلال تحليل البيانات العملاقة الواردة من مختلف المنصات الرقمية كمواقع الإنترنت والأسواق الافتراضية ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن البيانات الواردة من المجسّات وأجهزة الاستشعارات وكاميرات المراقبة المتوافرة في كل مكان في مجتمع ما بعد المعلومات.
ويساهم هذا الأمر من ناحية في تحسين فهم المجتمعات ومعرفة توجهات الأفراد بما يساعد في تطوير الخدمات وارضاء الأذواق العامة، وصولاً إلى تحقيق السعادة البشرية؛ ولكنه يساهم من ناحية أخرى في تركز كافة المعلومات حول الأفراد لدى سلطة سياسية واحدة قد تسيئ استخدامها سياسياً من خلال ملاحقة المعارضين أو التأثير على توجهات الأفراد لاستمرار انتخاب فصيل سياسي دون غيره، وهو ما قد يؤدي إلى تهديد العملية الديمقراطية داخل الدولة نظراً لتوافر المعلومات لجهة دون غيرها.
8 – إعادة تعريف القيم الإنسانية وترسيخ مفهوم حقوق “الروبوت”:
من شأن الثورة الصناعية الرابعة أن تُعيد تعريف ما هو اجتماعي وما هو سياسي وما هو اقتصادي، وأن تعيد تعريف ما هو عالمي وما هو إنساني وما هو قيمي وأخلاقي؛ فتظهر التحديات القيمية التي يواجهها مجتمع ما بعد المعلومات، ومنها قيمة “العدالة”.. فماذا عن السيارة ذاتية القيادة إذا قتلت طفلاً أو أمرأه، هل سيتم محاسبة السائق الآلي أم صاحب السيارة أم الشركة المنتجة لها أم الدولة التي رصفت الطريق أم أن هناك شخص آخر يتحمل المسئولية!، وماذا عن قيمة العمل حينما يحل الإنسان الآلي محل البشر في خطوط الإنتاج؟، وماذا عن قيمة “الخصوصية” في ظل قيام الأفراد بأنفسهم بوضع معلوماتهم الخاصة على الشبكات الاجتماعية؟ وماذا عن قيم “الأسرة” التي تم اختزالها في جروب على الواتس آب؟ وماذا عن قيم “السيادة” في ظل حصول شركات تكنولوجيا المعلومات على كافة مواطني الدول؟ وماذا عن قيم الولاء والانتماء في سرعة تغير الأجهزة والأدوات الإلكترونية، وغيرها من الأسئلة التي تطرحها هذه الثورة الجديدة؟
الأمر لا يقتصر على القيم الإنسانية، بل سيشمل الحديث أيضاً عن قيم الألات الذكية وحقوقها، لتظهر مجموعات حقوقية تطالب بحقو الربوبت في مجتمع ما بعد المعلومات، فماذا إذا اعتدى الإنسان على الروبوت أو اعاقه عن القيام بوظيفته أو أساء استخدامه، وماذا عن حقوق المواطنة والجنسية للربوتات، وهل يمكن وضع منظومة قانونية تحمي الروبوت من ضغيان الانسان؟
ومن هنا كانت أهمية العمل على استراتيجية عربية موحدة لتحقيق التنمية الرقمية في المنطقة العربية، للاستفادة من مميزاتها وتلافي تهديداتها، ومن هنا يمكن وضع بعض المبادئ العامة التي يمكن تطويرها مستقبلاً لوضع استراتيجية عربية لتحقيق التنمية الرقمية المتوازنة، تقوم على مبادئ مشتركة تحقق مصلحة الشعوب والحكومات معاً، وتساعد في تحقيق التنمية المتوازنة للإقليم.
المبادئ العامة لوضع استراتيجية عربية للتنمية الرقمية:
لكي يمكن صياغة استراتيجية عربية موحدة للتنمية الرقمية يجب أولاً وضع مجموعة من القواعد الرئيسية والمبادئ العامة التي يمكن في إطارها صياغة هذه الاستراتيجية، مثل الاتفاق تمثل الخطوط العريضة التي تسير فيها هذه الاستراتيجية والتي من بينها:
1. ضبط المفاهيم: الاتفاق على تعريف مشترك للمفاهيم والمصطلحات التكنولوجية:
لا يمكن صياغة استراتيجية مشتركة للتطوير والتحديث التكنولوجي إلا بعد الاتفاق على المفاهيم، وتحديد المصطلحات، والتفرقة ما بين الافتراضي والالكتروني والرقمي والسيبري، حتى يمكن الحديث بلغة مشتركة وواحدة يفهمها الجميع.
فمن شأن التعريف المشترك للمصطلحات، وليس فقط مجرد تعريب أو اشتقاق لغوي، أن يساعد في رسم الخطط والاستراتيجيات العربية بصورة محددة لا تقبل الالتباس، ويسهل عملية وضع قواعد قانونية مشتركة بين الدول العربية وبعضها البعض تحفظ أمن الدول وحدودها، ويسهل من عملية التنسيق المعلوماتي المتبادل.
2. المدن الذكية: تطوير البنية التحتية وتحديث المدن والخدمات الحكومية لتكون أكثر ذكاءً:
يعتبر تطوير البنية التحتية هو الأساس الأول لعملية تطوير وتحديث رقمي متكاملة، تشمل تحديث البنية الحالية وتطويرها وإنشاء بنية تحتية ذكية في القطاعات المختلفة، وبصورة تدريجية، تشمل قطاعات الطاقة والمواصلات والاتصالات، بحيث تدعم الإبداع والكفاءة والرخاء الاقتصادي وحرية التجارة، وفي نفس الوقت تكون آمنة ومؤمنة وتدعم الحريات المدنية.
مع تطوير البنية التحتية يجب تحديث الخدمات الحكومية أيضاً لتكون أكثر ذكاءً، مع تفعيل مبادئ الحوكمة، وتبني نماذج الحكومات الذكية، التي تستهدف الوصول إلى المواطن قبل أن يصل هو لها، وأن تقدم له جميع خدماتها في أسرع وقت وبأسهل الطرق الممكنة، بالاعتماد على الانترنت وتطبيقات الهاتف المحمول.
وتعتبر المدن الذكية أحد أهم الأدوات الحديثة لاستيعاب مشكلات المدن التقليدية، المتعلقة بإدارة البنية التحتية وحياة الأفراد اليومية، كما أنها ستصبح عما قريب عصب لإدارة الاقتصاد العالمي، بما تمتلكه من بيانات عملاقة Big Data عما يحدث بداخلها من تفاعلات، ولذلك يجب التوسع في الاستثمار في هذا النمط من المدن.
3. التمكين الرقمي: من خلال اتاحة الفرص التكنولوجية للأفراد والمجتمعات:
ويقصد بالتمكين الرقمي Digital Empowerment أي استخدام التكنولوجيا لزيادة قدرة الأفراد والمجتمعات على التحكم في شؤون حياتهم وزيادة مهارات التأقلم مع الحياة، واكتساب القدرات التي تمكنهم من التعبير عن أنفسهم في مجتمعات مرتبطة، وإتاحة الفرصة لهم لاستخدام التكنولوجيات الجديدة في كل الأماكن والأوقات، وعدم حظرها لأسباب يمكن تلافيها.
والتمكين الرقمي لا يقتصر فقط على المجتمعات الغنية، بل يشمل المجتمعات الفقيرة أيضاً، حيث وفرت كبرى شركات التكنولوجية مثل فيس بوك وجوجل وسامسونج مبادرات للمجتمعات الفقيرة، لتقديم خدمات الانترنت بأسعار زهيدة، من خلال هاتف محمول مصمم خصيصاً لهذه المجتمعات وفقاً لظروفها الاقتصادية.
كما يجب العمل على التوعية العامة بهذه التكنولوجيات وإنشاء ثقافة رقمية Digital Community Culture تعمل على الاستفادة من التطورات التكنولوجية مع الحرص من مخاطرها وتفاديها، مع توفير سبل الحصول عليها بتكلفة تتلائم مع الظروف الاقتصادية للأفراد.
4. القطاع الخاص والمجتمع المدني: شريك رئيسي في عملية التحديث والتنمية:
القطاع الخاص والمجتمع المدني جزء لا يتجزأ من منظومة التحديث التكنولوجي وتحقيق الأمن الإلكتروني، فهو أحد محركات عملية التنمية، إن لم يكن أهمهما، ولابد من إشراكه بأدوار حقيقية في عملية التنمية، فهو يدير الشركات، ويمتلك قواعد البيانات، ويؤمن الخدمات الحكومية ويحافظ على استقرارها.
بالإضافة إلى ذلك يجب تشجيع المبادرات الشابة في مجال استخدام التكنولوجية الحديثة والاستفادة منها، مثل تصنيع السيارات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار والطابعات ثلاثية الأبعاد والروبوتات وتوليد الطاقة النظيفة وإعادة تصنيع المنتجات وغيرها.
5. العلوم والرياضيات: مفتاح تطوير التعليم لتحقيق التنمية الرقمية:
لا يمكن تحقيق عملية التمكين الرقمي والتطوير التكنولوجي إلا من خلال الاهتمام بالتعليم وتطوير المناهج التعليمية لكي تكون متلائمة مع متطلبات الثورة التكنولوجية القادمة، والاهتمام بمواد العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية، وتشجيع الطلاب على دراستها، والسعي للحصول على ترتيب دولي مرموق في مجال تدريس العلوم والرياضيات.
6. تهديدات جديدة: إعادة تقييم التهديدات التكنولوجية التي تؤثر على الأمن القومي:
ألقت التطورات التكنولوجية بثقلها على مفهوم الأمن القومي، وساهمت في إعادة تعريفه بإدخال تهديدات جديدة عليه، وبخاصة التهديدات السيبرية Cyber Threats، ولابد من الاتجاه صوب استراتيجية عربية تحقق الأمن السيبري Cyber Security للدول العربية على حدا، وللمنطقة العربية كلها بصورة عامة.
ومن هنا تظهر أهمية تنسيق الجهود العربية في مجال تحقيق الأدلة الرقمية الجنائية Digital Forensics بهدف ضبط الجرائم الإلكترونية، سواء كانت جرائم غسيل أو سرقة أموال أو تزوير أو انتهاك خصوصية أو استهداف مؤسسات عامة أو خاصة أو أفراد، وعمل اتفاقيات عربية شرطية لتبادل الأدلة الرقمية الجنائية لسهولة تعقب المجرمين، وتبادل المعونة والمساعدة الفنية والمعلوماتية بين الدول العربية وبعضها البعض، وكذلك بين المؤسسات التجارية والعامة والأفراد.
7. الخصوصية الشخصية: تصاعد قضايا الحفاظ على البيانات الشخصية للأفراد:
في بداية انتشار الانترنت في التسعينيات من القرن الماضي وبداية الالفينات ظهرت بعض القوانين التي تحمي بيانات الأفراد عبر الانترنت، وقد كانت بيانات الأفراد في هذه الفترة بيانات محدودة تقتصر على الاسم والصورة ورقم التليفون، لكن مع التطورات التكنولوجية المستمرة وزيادة اعتماد الأفراد على التقنيات الذكية، زاد معدل بيانات الأفراد الشخصية التي يمكن الحصول عليها عبر الانترنت، حيث تمتد لتشمل بيانات الأفراد الحيوية مثل بصمة العين والوجه واليد، فضلاً عن البيانات الصحية والمرضية للمستخدم، بالإضافة إلى موقعه الجغرافي الحالي وأماكن تنقلاته في مختلف ارجاء المعمورة، والعديد من المعلومات الشخصية الأخرى مثل نوعية الأطعمة والمشروبات والملابس والأفلام والكتب والموسيقي التي يفضلها المستخدم، مواعيد عمله ونومه وغذائه، وتحديد شبكة أصدقائه وافراد عائلته، بصورة تساعد في تكوين رسم تفصيلي عن حياة الفرد اليومية بفضل المعلومات الشخصية المتوافرة عن الفرد على الانترنت.
فالبيانات هي أساس العالم الرقمي الحالي، وجمعها ضروري للشركات بهدف تحسين الخدمات التي تقدمها لعملائها، سواء خدمات البحث عن المفضلات أو خدمة الإعلانات، فضلاً عن استخدامها في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الالات والسيارات ذاتية القيادة وغيرها، لكن بسبب سوء استخدام الشركات للبيانات الشخصية للأفراد وهو ما اتضح في فضية كامبريدج اناليتكا، والتي ترتب عليه جمع معلومات شخصية عن أكثر من 87 مليون أمريكي أثناء الانتخابات الرئاسية، تلك الفضيحة التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى إصدار “اللائحة العامة لحماية البيانات” General Data Protection Regulation المعروفة اختصارًا بـ (GDPR) في نهاية مايو عام 2018، تجعل من الضروري على دول الشرق الأوسط أن تتبنى معايير لحماية البيانات الشخصية للأفراد وضمان عدم إساءة استخدامها من قبل الشركات.
خاتمة:
على الرغم من الحاجة الشديدة لوجود استراتيجية عربية للتنمية الرقمية إلا أن هناك عقبتين رئيسيتين يجب التغلب عليهما أولاً لخروج هذه الاستراتيجية إلى النور، الأولى هي تنحية الخلافات السياسية بين الدول العربية والتي قد تعرقل خروج مثل هذه الاستراتيجية إلى العلن، وترك المنظمات الفنية مثل الاتحاد العربي للانترنت ولاتصالات لإعداد هذه الاستراتيجية بعيداً عن المنظمات السياسية مثل جامعة الدول العربية، فضلاً عن ضرورة مراعاة الاختلاف في درجة التقدم التكنولوجي بين الدول العربية وأيضاً مراعاة حاجات الجماهير العربية المختلفة، فمثلاً التقدم التكنولوجي في الامارات العربية المتحدة وحاجات السكان هناك، تختلف اختلافاً كبيراً عن الوقع في اليمن وسوريا وليبيا وعن حاجات السكان في هذه المنطقة، وبالتالي يجب أن تراعي هذه الاستراتيجية الخصائص التكنولوجية المختلفة لكل دولة حتى تكون واقعية وفعالة.
About the author(s)
Ehab Khalifa
Ehab khalifa serves as the head of Monitoring Technological Developments Unit and Chief Technology officer at Future Center for Advanced Research and studies, UAE. He is also a Ph.D candidate at Cairo University. Ehab has published three books: ‘Social Media Warfare’ (2015), ‘Cyber Power: Managing State Affairs in the Era of Cyberspace’ (2017), and ‘Post-Information Society: The impact of fourth industrial revolution on national security’ (2019). He was awarded the ‘Best Book’ prize at the prestigious Cairo International Book Fair, 2018.